منتديات حبة البركة

منتديات حبة البركة (https://www.seedoil.net/vb/index.php)
-   ثقاقة عامة وشعر (https://www.seedoil.net/vb/forumdisplay.php?f=17)
-   -   مرآة الـذات والواقــع (https://www.seedoil.net/vb/showthread.php?t=9482)

مجموعة انسان 07-22-2014 07:36 PM

مرآة الـذات والواقــع
 
ليست المرآةُ وحدَها تردّدُ ملامحَ المرءِ وصوتَه وكآبةَ داخلهِ وثورةَ ذاتِه الهائِجة، المرآةُ لا تردّدُ ما يقولُهُ المرءُ لنفسِه بالنجوى أو بأصواتِه التي لا تسمعُها إلا مرآةُ ذاتِه الكثيفة – الشفّافة.
ما سيحصلُ للمرءِ إنْ وجدَ لوجهِهِ في مرآةِ بيتِه وجوهاً : وجهُ الصّبا يسلّمُه للشباب، ووجهُ الشباب يسلّمُه للكهولة؟ ما سيحصلُ للمرءِ إنْ وجدَ ذاتَه كهلاً دونَ المرور بوجوهِ الصبا والكهولة؟
مرآةٌ واحدةٌ – كما حياة واحدة -لا تكفي ليعيشَ المرءُ حياتَه أو ليعرفَ ويتعرّفَ على ذاتِه المغرقة غموضاً وفوضى، باتَ الإنسانُ لا يعرفُ نفسَه لأنّه اكتفى بأقرب صديق أو مرآةٍ على الحائِط مقعّرةٍ لا تمنحُ إلا ثباتاً لرأيٍ واحدٍ، و يبقى ذاك الرأيُ مفهوماً لا يتعدّاه.
استطراداً لرأيٍ يُناقش يوميّاً : هات فكراً تتفاعلُ معه مرآةُ الواقع لأضعَ أمامَكَ صحّة ذاك الفكر ومرونتَه وحيويّتَه، بالأدقّ "تطبيقه" (هكذا علّمني ماركس).
هل جرّيتَ مرّةً واحدةً وناديتَ في مرآتكَ أو في مرآةٍ غريبةٍ عنك؟ وهل سمعتَ ولمستَ ذاتَكَ تضجُّ في مرآة الآخر الذي يجاريك؟
كأنّ مرآة ذات الآخر تمسخُ امرأً إنْ ردّدها فوقَ صفيحة وجهه إنْ دنا منها، أو ستقصفُه لو تحدّثَ منها إلى ذاتِه بغرورٍ يتصنّعُه، أو هو أهلٌ له وجار.
ماذا لو كشفت المرآةُ حقيقةَ المرءِ المتخفّيةَ ووضعتْ كلَّ مثالبه بينَ يديه وخلفَه وأمامَه، و ظنَّ أنّ الباطلَ لا يأتيه من كلّ نواحي الأرض؟
ما أكثرَ تلك المرايا التي تُخفي الأقنعةَ وتعطي كشوفات الذات صوتاً وصورةً وصدى!، خصوصاً تلكَ الكشوفات التي وضعتْ قناعاً تلو أقنعةٍ تسلّقتْ أصحابَها أو أنّ أصحابَها تسلّقوها بغفلةٍ من زمنٍ غدّار بعدَما فاتَهم قلقُ الشارع، أقصدُ حينما كانَ الشارعُ خلّاقاً وصاحبُ الأقنعة متفرّجاً.كأنّي وجدتُ امرأً أمامَ مرآة ذاتِه المكشوفة وقد كوّمَ أمامَه جمعاً من الأقنعة يركّبُ على وجهِه - ترغيباً أو ترهيباً – قناعاً يستفيدُ منه اليومَ، و يخلعُه غداً، ليلبسَ ما يناسبُهُ ليوم غدِه.
السؤالُ الذي لا جوابَ له عندي: أَخُلِقَ الإنسانُ ليقضي جلّ يومِه مفكّراً بأيِّ قناعٍ يليقُ به ويتلقّى مديحاً مجّانيّاً لِمَنْ صادفَه خلسةً؟. وقد قِيلَ عن ذاك الإنسان بأنّه أشرفُ الكائنات.
يا إلهي، عذابٌ إنْ كانَ الواقعُ ما أقولُه، وهو لكذلك.

منقــــــول


الساعة الآن 03:15 AM.

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024