منتديات حبة البركة

منتديات حبة البركة (https://www.seedoil.net/vb/index.php)
-   مواضيع إسلامية عامة (https://www.seedoil.net/vb/forumdisplay.php?f=31)
-   -   وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ (https://www.seedoil.net/vb/showthread.php?t=10634)

مونمون 12-21-2014 04:07 PM

وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
 
{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (216) سورة البقرة

في هذه الآية عدة حكم و أسرار و مصالح للعبد ، فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بمحبوب ، و المحبوب قد يأتي بمكروه ، لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة ، و لم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب ، فإن الله يعلم منها ما لا يعلمه العبد . و أوجب له ذلك أمورا ً :

منها : أنه لا أنفع له من امتثال الأمر و إن شق عليه الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات و مسرات و لذات و أفراح ، و إن كرهته نفسه فهو خير لها و أنفع .

و كذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهي و بإن هويته نفسه و مالت إليه ، فإن عواقبه كلها آلام و أحزان و شرور و مصائب ، وخاصية العقل تحتمل الألم اليسير لما يعقبها من الألم العظيم و الشر الطويل ، فنظر الجاهل لا يتجاوز المبادئ إلى غايتها ، والعاقل الكيس دائما ً ينظر إلى الغايات من وراء ستور مبادئها ، فيرى ما وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة ، فيرى المناهي كطعام لذيذ قد خلط فيه سم قاتل ، فكلما دعته لذته إلى تناوله نهاه ما فيه من السم ، ويرى الأوامر كدواء مر ّ كريه المذاق مفض إلى العافية و الشفاء ، وكلما نهاه كارهة مذاقه عن تناوله أمره نفعه بالتناول ، ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مبادئها وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق لما يؤمل عند الغاية ، فإذا فقد اليقين و الصبر تعذر عليه ذلك ، و إذا قوي يقينه و صبره هانت عليه كل مشقة يتحملها في طلب الخير المستمر و اللذة الدائمة .

و من أسرار هذه الآية أنها تقضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور ، والرضى بما يختاره له وما يقضيه له لما فيه من حسن العاقبة .

و منها : أنه لا يقترح على ربه ، ولا يختار عليه ، ولا يسأله ما ليس له به علم ، فلعل مضرته و هلا كه فيه و هو لا يعلم ، فلا يختار على ربه شيئا ً ، بل يسأله حسن الاختيار له ، و أن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك .

و منها : أنه إذا فوض الأمر إلى ربه ، و رضي بما يختاره له ، أمده فيما يختاره له بالقوة عليه و العزيمة و الصبر ، و صرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه ، و أراه من حسن عواقب اختياره له مالم يكن ليصل إلى بعضه ، وبما يختاره هو لنفسه .

و منها : أنه يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ، ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة و ينزل في أخرى ، ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه ، فلو رضي باختيار الله أصابه القدر و هو محمود مشكور ملطوف به فيه ، و إلا جرى عليه القدر و هو مذموم غير ملطوف به فيه ، لأنه مع اختياره لنفسه ، و متى صح تفويضه و رضاه ، اكتنفه في المقدور العطف عليه ، واللِطف به ، فيصير بين عطفه و لطفه ، فعطفه يقيه ما يحذره ، و لطفه يهون عليه ما قدره .

من كتاب : العظمة

للدكتور : عائض القرني


الساعة الآن 04:19 AM.

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024