![]() |
التـوبـة
هلمّ إلى الدخـول على الله ، ومجاورته في دار السلام ، بلا نصَب ولا تعـب ولا عـناء ، بل من أقرب الطرق وأسهـلهـا . وذلك أنك في وقت بين وقتين ، وهـو في الحقيقة عمرك وهـو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقـبل . فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغـفـار . وذلك شيء لا تعـب عليك فيه ولا نصَـب ولا معاناة عمل شاق ، انما هـو عمل قلب . وتمتـنع فيما يستقبل من الذنوب ، وامتناعك ترك وراحة ، ليس هـو عملاً بالجوارح يشق عـليك معاناته ، وانما هـو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرّك . فما مضى تصلحه بالتوبة ، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعـزم والنية . ليس للجوارح في هذين نصّب ولا تعـب ، ولكن الشأن في عمرك هـو وقتك الذي بين الوقتين ؛ فاٍن أضعـته أضعـت سعادتك ونجاتك ، وان حفظته مع اٍصلاح الوقتين اللذين قبله وبعـده بما ذكر نجَوتَ وفـُزتَ بالراحة واللذة والنعـيم . وحفظه اشق من اصلاح ما قبله وما بعـده ؛ فان حفظه أن تلزم نفسك بما هـو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها . وفي هـذا تفاوتَ الناس أعظم تفاوُت ؛ فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك : اٍما الجنة ، واٍما النار ؛ فاٍن اتخذتَ اليها سبيلا الى ربك بلغـتَ السعادة العـظمى والفـوز الأكبر في هـذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها الى الأبد . وان آثَـرتَ الشهوات والراحات واللهو واللعـب ، انقضت عنك بسرعة ، وأعـقبـتك الألم العـظيم الدائم ، الذي مُـقاساته ومعاناته أشق وأصعـب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته الهوى لأجله . |
الساعة الآن 11:31 PM. |
Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2025