عرض مشاركة واحدة
قديم اليوم, 03:10 AM   #1


الصورة الرمزية مجموعة انسان
مجموعة انسان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 4
 العلاقة بالمرض: مصابة
 المهنة: لا شيء
 الجنس ~ : أنثى
 المواضيع: 64856
 مشاركات: 6438
 تاريخ التسجيل :  Aug 2010
 أخر زيارة : اليوم (06:32 PM)
 التقييم :  95
 مزاجي
لوني المفضل : Cadetblue
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
افتراضي مدينة الضوء وسط الرمال.. الكشف عن بقايا مدينة قبطية فى واحات مصر 




في قلب الصحراء الغربية، وتحديدًا بمنطقة عين الخراب بواحة الخارجة، كشفت بعثة أثرية مصرية من المجلس الأعلى للآثار عن بقايا مدينة سكنية تعود لبدايات الفترة القبطية في مصر، وهي فترة محورية شهدت واحدًا من أهم التحولات فى التاريخ المصري القديم.. الانتقال من الوثنية إلى المسيحية.

ويقول عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، إن الكشف ليس جديدًا في ذاته فقط، بل جديد في دلالاته، وفي توقيته، وفي عمقه التاريخي والروحي، هو شهادة حية على أن مصر لم تكن يومًا على هامش الزمن، بل كانت دومًا في صلب الحراك الديني والاجتماعي والثقافي للعالم القديم.

واحة تتحول إلى مسرح للقداسة

ويضيف "عبد البصير"، حين ننظر إلى هذا الاكتشاف، لا نرى فقط بقايا منازل أو قطع فخارية أو أوانٍ حجرية، بل نقرأ سطورًا حية من تاريخ صامت ظل مختبئًا تحت الرمال لقرون. فأن تظهر بقايا مدينة كاملة من الطوب اللبن، بها غرف سكنية ومخازن وأفران وأوانٍ ضخمة لتخزين الطعام والحبوب، فهذا يعني أننا أمام مجتمع كامل، كان يعيش، ويؤمن، ويصلي، ويصنع حياته في صمت وسط الصحراء.
لعل من أروع ما تم العثور عليه، جدارية تمثل السيد المسيح وهو يشفي أحد المرضى. مشهد نادر وثمين في دلالته الفنية والدينية، ينبض بالحياة، ويعكس بوضوح كيف تسرب الإيمان المسيحي إلى عمق الأرض المصرية، وجعل من الواحات، في زمن الاضطهادات والتغيرات، موئلًا للطمأنينة، ومأوى للمؤمنين.

كنيستان... وصوت التاريخ

وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، أن الكشف عن كنيستين مختلفتين في الطراز والتخطيط يعكس تنوع التجربة المسيحية في تلك الحقبة. الأولى، كنيسة بازيليكية، كبيرة الحجم، تشير بقاياها إلى عمارة مهيبة، بها أعمدة مربعة وصالة مركزية، تكشف عن أهمية المجتمع الذي شيدها. أما الثانية، الأصغر حجمًا، والمزينة بكتابات قبطية، فهي أكثر حميمية وروحانية، وكأنها تعكس ممارسات دينية خاصة بمجموعة محددة من المؤمنين، أو مرحلة لاحقة من تطور المجتمع.

من الوثنية إلى المسيحية... إلى الإسلام

ما يضفي على الكشف بريقًا خاصًا هو التداخل الزمني والحضاري؛ إذ تظهر دلائل على أن هذه المباني الرومانية استخدمت لاحقًا في العصر القبطي، ثم في العصر الإسلامي. وهذا يؤكد أن التاريخ المصري لا يُبنى على القطيعة، بل على الاستمرارية، وعلى التراكم الحضاري. فالأرض التي سجد فيها الوثني، صلى عليها المسيحي، ثم كبّر فيها المسلم، دون أن تندثر معالم السابقين، بل ظلوا معًا يشكلون نسيجًا حضاريًا واحدًا، هو ما نُسميه اليوم "مصر".

في قلب الرمال... تولد الحكايات

هذا الكشف ليس مجرد حدث أثري، بل هو دعوة لإعادة النظر في تاريخ الواحات المصرية، التي طالما ظُلمت في الكتابات التاريخية لصالح وادي النيل. فالواحات لم تكن مجرد نقاط استراحة على دروب القوافل، بل كانت مراكز دينية، وثقافية، وتجارية، وملاجئ للباحثين عن العزلة أو النجاة أو الإيمان.
وتابع "عبد البصير"، إننا اليوم أمام فرصة ذهبية لإعادة رسم خريطة السياحة الثقافية في مصر، لتشمل كنوز الصحراء، وجواهر الواحات، وما تخبئه رمالها من قصص قد تغير كثيرًا مما نظنه عن ذاكرتنا الجماعية.

تحية للمصريين

ويختتم "عبد البصير" قائلا: أجمل ما في هذا الكشف أنه ثمرة جهود بعثة أثرية مصرية خالصة، علماء وأثريون مصريون، يعملون بصمت، ويحققون منجزًا علميًا وإنسانيًا وحضاريًا عظيمًا. يستحقون كل الدعم والتقدير، ويثبتون أن مصر قادرة بأبنائها على اكتشاف ذاتها، واستعادة أمجادها، والتحدث إلى العالم بلغتها الأبدية: لغة الحضارة.
في زمن التغيرات السريعة والضجيج المعرفي، يمنحنا هذا الكشف لحظة تأمل. أن نتوقف ونستمع لما تقوله الأحجار، ونشعر بما قالته جدارية المسيح في صمتها العميق: أن الإيمان، والحياة، والكرامة، والجمال، يمكن أن تزدهر حتى في أقسى الصحاري، إذا امتلك الإنسان الشجاعة والمعرفة، والإرادة.

ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك





 
 توقيع : مجموعة انسان







رد مع اقتباس