مواضيع إسلامية عامة أدعية وأحاديث ومعلومات دينية مفيدة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#1 | ||||||||||||||
![]() ![]() ![]()
شكراً: 9,478
تم شكره 17,570 مرة في 8,937 مشاركة
|
أكتب هذه الكلمات لأنّي مؤمن أنّ علاقتنا بالقرآن ليست مجرد عادة يومية نقرأ فيها صفحات، ولا وردًا ننجزه فنرتاح. القرآن بالنسبة إليّ كان وما زال المرآة التي تكشف لي حقيقتي، والبوصلة التي تردّني كلما ضعت. كتبتها لأنّي عشت لحظات أحسست فيها أنّ قلبي مليء بالأسئلة… أسئلة عن الغاية، عن الطريق، عن المعنى. وفي كل مرة أعود، أجد الجواب في القرآن. ليس لأنّه كتاب عادي، بل لأنّه كلام الله الذي نفخ فينا من أمره، فصار بيننا وبين كلامه صلة قديمة، كالأصل يعود إلى فرعه. خلقنا الله وكرّمنا: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، وسوّانا ونفخ فينا من أمره روحًا تُميزنا بالعقل والسمع والفؤاد: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ [السجدة: 9]؛ ثم أنزل إلينا كلامه، كلمات تتفتّح لها القلوب، كلمات إذا خوطبت بها روحك تذكّرت أصلها، وإذا خلا له قلبك انفتح: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]، ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]. ولأن النفخة منه، والقرآن من عنده، فبينهما ألفةٌ قديمة: إذا قرأتَه بلسانٍ غافل مرّ على السمع، وإذا قرأتَه بقلبٍ حاضر مسّ الأصل فيك: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]، ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37]. ولأن القرآن لم يترك جانبًا من جوانب الحياة إلا وأعطاك فيه هدايةً ونورًا، كان لابدّ أن نبحث عن وصف يقرّب المعنى إلى عقولنا. فوجدت أنّ أقرب ما يشبه وظيفته في حياتنا هو "الكتالوج": ذلك الدليل الذي يرافق كل صناعة متقنة، يضع بين يديك كل ما تحتاجه لتُشغّلها على الوجه الصحيح، لتفهم غايتها، وتحافظ عليها من العطب، وتُصلح أعطالها إن وقعت. ومن هنا جاء السؤال: لماذا القرآن “كتالوج” حياتك؟ قد تبدو كلمة كتالوج ثقيلة على السمع، إذ هي مألوفة في وصف الأجهزة والآلات، غير أنّي قصدت استعمالها لأني مؤمن أنّ القرآن ليس مجرد كتاب يُقرأ، بل دليل استخدام للحياة نفسها. كما أنّ كل جهاز معقّد يحتاج إلى دليل تشغيل، فالإنسان – وهو أعقد مخلوق – يحتاج إلى كتالوج من خالقه. والفرق أنّ كتالوج البشر قد يخطئ أو يُهمَل، بينما دليل الاستخدام من الله محفوظ كامل، يصلح الروح والجسد والدنيا والآخرة. ليس تشبيهًا مُبتَذَلًا؛ بل وصفٌ دلّت عليه نصوصه ووظيفته: 1. تعريف الغاية ومسار التشغيل قبل أي دليل استخدام، أول ما يفعله أن يوضّح لك لماذا صُنعت هذه الآلة، وما الغاية منها. وكذلك القرآن… ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]. الكتالوج يعرّف الغاية ويبيّن المفاتيح؛ والقرآن “هدى” و“فرقان”: يعرّفك لماذا خُلقت، وكيف تميّز بين الصواب والخطأ. 2. تفصيلٌ على علم لكن مجرد معرفة الغاية لا يكفي؛ تحتاج إلى التفاصيل الدقيقة التي تشرح كيف تسير حياتك خطوة بخطوة. وهنا يأتي القرآن مفصّلًا… ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 52]، ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾[النحل: 89]. أي: تبيانٌ لما تحتاجه الهدايةُ والنجاةُ في الاعتقاد والعبادة والمعاملة؛ وهذا عين وظيفة “دليل الاستخدام”. 3. ضمانة التشغيل السليم (وعد/تحذير) وكل دليل ناجح لا يكتفي بالشرح، بل يضع تحذيرات واضحة: إن فعلت كذا نجوت، وإن تركت كذا تعطّلت. والقرآن كذلك… ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [طه: 123–124]. كل كتالوج جيّد يضع “افعل/لا تفعل” حفاظًا على سلامة الجهاز؛ والقرآن يضع ذلك حفظًا لسلامة القلب والحياة. 4. إصلاح الأعطال (التشخيص والعلاج) ومع طول الاستعمال لا بد أن تقع أعطال أو اختلالات. فكما يضع الكتالوج بابًا لإصلاح الأعطال، جعل الله في كتابه علاجًا لما يفسد في القلوب والصدور… ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 57]، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: 82]. إذا اختلّ الميزان داخلك، دلّك القرآن على موضع الخلل وعلاجه. 5. الاعتماد والحفظ (أصالة النسخة) وأخيرًا، لا قيمة لأي كتالوج إن لم تكن النسخة أصلية مضمونة. لذلك تكفّل الله بحفظ كتابه، ليبقى الدليل نقيًا صالحًا لكل زمان ومكان… ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]. لا معنى لكتالوجٍ بلا نسخة أصلية محفوظة؛ وقد تكفّل الله بحفظ كتابه. ولذلك قال ﷺ: «والقرآن حُجَّةٌ لك أو عليك» (رواه مسلم). تمامًا كدليل التشغيل: إن عملتَ به شهد لك، وإن عطّلتَه قامت عليك الحجة. اقرأه بروحك… لا بلسانك فقط اقرأه بقلبٍ يطلب الهداية لا بلسانٍ يطلب البركة فحسب؛ عندها ترى العجب: تتبدّل نظرتك للوجع والرزق والنجاح، وتنتقل من فوضى التجارب إلى نظام الهداية. فالذي نفخ فيك من أمره هو الذي أنزل كلامه إليك؛ فليس القرآن غريبًا عن روحك، بل هو عنوان رجوعها إلى صانعها. خلاصة القول: القرآن كتالوج الحياة لأن مُنزِّله هو خالق الحياة. من عمل بتعليماته “لا يضل ولا يشقى”، ومن أعرض عاش الضنك ولو ملك الدنيا. فاقرأه بروحك، يفتح الله لك من أبواب الفهم ما يغلق على الألسن. اللهم افتح لنا قلوبنا لكلامك، وارزقنا تدبّره والعمل به، واجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا. منقول ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: مواضيع إسلامية عامة |
||||||||||||||
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
|
|