لوحة جوستاف كليمت ستحطم الأرقام القياسية فى المزادات.. إليكم قصتها

لوحة جوستاف كليمت ستحطم الأرقام القياسية فى المزادات.. إليكم قصتها

الجميع يترقب ما سيحدث في سوق الفن، بعد طرح صورة إليزابيث ليدر ( 1914-1916) لجوستاف كليمت (1862-1918)، والتي من المتوقع أن تجلب ما يصل إلى 150 مليون دولار عندما تعرض في دار سوثبي للمزادات في نيويورك في نوفمبر الجارى، وفقا لما نشره موقع" news.artnet".

تُظهر الصورة الكاملة امرأةً شابةً فاتنةً بشعرٍ داكنٍ وبشرةٍ شاحبة، ترتدي ثوبًا أبيضَ شفافًا فضفاضًا، وثوبًا أزرقَ منقوشًا. وفي لمسةٍ غير مألوفة، تُظهر الخلفية مجموعةً من الشخصيات الصينية الصغيرة، ترتدي زيًا تقليديًا - ربما نوعًا من اللوحات الجدارية - وسجادةً برتقاليةً وورديةً منقوشةً.

قد يحطم هذا البيع الرقم القياسي الحالي للمزادات للفنان الانفصالي النمساوي، يبلغ سعر لوحة "السيدة ذات المروحة" (Dame mit Fächer) 85.3 مليون جنيه إسترليني (108.4 مليون دولار أمريكي) في مزاد سوثبي بلندن عام 2023، وفقًا لقاعدة بيانات أسعار آرت نت .

كما أنها أغلى عمل فني بيع في مزاد بأوروبا(بيعت أعمال كليمت بمبالغ أكثر خصوصية، مثل لوحة " صورة أديل بلوخ باور الثانية" المرسومة عام 1912 ، والتي باعتها أوبرا وينفري مقابل 150 مليون دولار أمريكي عام 2016؛ وكان شرائها الأول لها مقابل 87.9 مليون دولار أمريكي في دار كريستيز عام 2006 رقمًا قياسيًا للفنان آنذاك).

لوحة متعددة الأجيال

رسم كليمت هذه اللوحة لأهم رعاته، أوجست ليدرير (1857-1936) وسيرينا ليدرير (1867-1943)، لابنتهما إليزابيث ليدرير (1894-1944)، التي كانت في العشرين من عمرها فقط وقت رسمها.

كانت سيرينا سيدةً مشهورةً بجمالها وحضورها الاجتماعي، وقد وصفها المهندس المعماري جوزيف هوفمان (1870-1856) بأنها "أجمل امرأة في فيينا".

كلفت سيرينا كليمت لأول مرة برسم صورتها الخاصة في عام 1899 (وهي الآن مملوكة لمتحف متروبوليتان للفنون في نيويورك ) يبدو الشبه بين الأم وابنتها في العملين واضحًا على الفور، حيث تتطابق عيونهما الداكنة وملامحهما الدقيقة بشكل شبه كامل.

لكن على النقيض من ملابس إليزابيث الخارجية الغريبة، ظهرت سيرينا مرتديةً ثوبًا حريريًا أبيض على طراز الإمبراطورية، يكاد يذوب في خلفية ضبابية.

عند ظهورها لأول مرة في معرض فيينا العاشر للانفصال عام 1901، أطلق النقاد على اللوحة المتوهجة اسم "سيمفونية بالأبيض" ، في إشارة إلى تأثير الرسام الأمريكي جيمس ماكنيل ويسلر (1834-1903).

كانت صورة سيرينا بالحجم الطبيعي تقريبًا عملاً مهمًا للفنان، الذي سيُعرف لاحقًا بمهارته في تصوير النساء الجميلات.

مثّلت هذه اللوحة أيضًا بداية علاقة مثمرة دامت قرابة عقدين من الزمن، حتى وفاة كليمت عن عمر يناهز 55 عامًا، حيث اشترت سيرينا حينها بذكاء كامل ممتلكاته، جمع آل ليدرير أكبر مجموعة في العالم من أعمال كليمت، بما في ذلك تحفته الفنية الضخمة من فن الآرت نوفو في فيينا، " فريز بيتهوفن " (1902)، التي تُعدّ الآن جوهرة حركة الانفصال في فيينا.

رسم الفنان أيضًا والدة سيرينا، شارلوت بوليتزر، عام 1917،من المعروف أن كليمت لم يرسم سوى عدة صور لامرأة واحدة - أديل بلوخ باور - لكن سيرينا تفوقت عليه بإقناعه بتصوير ثلاثة أجيال من النساء في عائلتها على القماش.
اعتمد كليمت اعتمادًا كبيرًا على رعاية عائلة ليدرير، على سبيل المثال، عند الانتهاء من رسم بورتريه بوليتزر، كتب إلى سيرينا طالبًا سلفة على "الباقي الزهيد من الأجر"، مضيفًا: "أنتظره بفارغ الصبر - من أجل نفس مسكينة!".
اجتمعت لوحات إليزابيث وسيرينا مجددًا في معرض نويه غاليري لعام 2016، إلا أن لوحة بوليتزر فُقدت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا يُعرف مكانها حتى اليوم.

صادر النازيون مجموعة ليدر عام 1940، ونقلوا جزءًا كبيرًا منها إلى قلعة شلوس إمندورف في النمسا السفلى، ويُعتقد أن جزءًا كبيرًا من مقتنيات العائلة، بما في ذلك ما يصل إلى 10 أعمال لكليمت، قد دُمِّرَ عندما أتى حريق على القلعة عام 1945.

أنقذت اللوحة حياة إليزابيث

كان كلٌّ من أغسطس وسيرينا من عائلات يهودية ثرية (يُقال إن عائلة ليدرير كانت الثانية ثراءً بين العائلات النمساوية، بعد عائلة روتشيلد) توفي أغسطس عام 1936، ولكن عندما استولى النازيون على النمسا في عملية ضمّها عام 1938، هربت سيرينا إلى المجر هربًا من الاضطهاد.
أما إليزابيث، فقد بقيت في ألمانيا فقد اعتنقت البروتستانتية عندما تزوجت من فولفغانغ فون باخوفن-إيخت عام 1921. انفصل الزوجان بعد وفاة طفلهما الوحيد، أوغست أنطون باخوفن فون إيخت، عن عمر يناهز أربع سنوات عام 1938.
جعل الانفصال إليزابيث في موقف حرج، عندها أعلنت عن موقفها الجريء، مستندةً إلى سمعة كليمت كزير نساء (لم يتزوج قط ولكنه أنجب 14 طفلاً)، وموهبتها الفنية المُثبتة - التحقت بمدرسة فنية باقتراح من كليمت، وعملت نحاتةً في ثلاثينيات القرن الماضي - أصرت إليزابيث على أن الفنان، الذي لم يكن يهوديًا، هو والدها في الواقع.
كتبت سيرينا من منفاها مؤكدةً القصة، مُقسمةً أن ابنتها ثمرة علاقة غرامية مع كليمت، وقد خلص مؤرخو الفن إلى أن هذه كذبة، لكن إدارة الرايخ لأبحاث الأنساب صدّقتها.
تمكنت إليزابيث، التي كانت آنذاك نصف آرية، من الفرار من الترحيل إلى معسكرات الاعتقال وللأسف، لم تنجُ من الحرب، لكن ارتباطها بكليمت حمىها من أسوأ أهوالها.

أخفى كليمت رموزًا من الصين الإمبراطورية في اللوحة

إذا كانت صورة كليمت لسيرينا قد تأثرت بلوحة ويسلر، فإن صورة ابنتها، التي رسمها بعد خمسة عشر عامًا، تُعدّ عمل فنان ناضج طوّر بلا شك أسلوبه الخاص.
تطورت صور كليمت الشخصية على مر السنين، وأصبحت تركيباته أكثر تعقيدًا مع إحاطة تماثيله بزخارف هندسية متزايدة التعقيد.
عكف الفنان على العمل لسنوات، ساعيًا إلى الكمال وفي النهاية، يعتقد مؤرخو الفن أن سيرينا هي من أعلنت اكتماله، إذ انتزعت العمل حرفيًا من حامله في مرسم كليمت.
ربما يكون أحد أسباب طول المدة هو أن صورة إليزابيث فريدة، تُذكرنا أعمال كليمت المذهبة بالفسيفساء البيزنطية التي صادفها في رحلته إلى رافينا عام 1903 إنها مزخرفة، وشخصيات تبرز من شبكة ذهبية.

ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: موضوعات عامة