حريق هونغ كونغ يطلق حقبة جديدة في السلامة الحضرية والاستثمار العقاري عبر آسيا

حريق هونغ كونغ يطلق حقبة جديدة في السلامة الحضرية والاستثمار العقاري عبر آسيا

لم يكن حريق برج "وانغ فوك كورت" في هونغ كونغ مجرد مأساة إنسانية أودت بحياة 44 شخصاً وخلّفت 279 مفقوداً في عام 2025، بل أصبح نقطة تحوّل كبرى في سياسات السلامة الحضرية عبر آسيا.

الحريق، الذي غذّته مواد قابلة للاشتعال مثل سقالات الخيزران وألواح البوليسترين، كشف هشاشة البنية التحتية وأطلق سلسلة إصلاحات تنظيمية واقتصادية غير مسبوقة، من هونغ كونغ إلى طوكيو وسيول وسنغافورة.

ردّ الحكومة كان حاسماً، عبر اعتقالات واسعة لمسؤولين في شركات البناء بتهم الإهمال، وحظر تدريجي لاستخدام السقالات الخشبية في المشاريع العامة. وفي خطاب السياسة لعام 2025، أعلنت هونغ كونغ عن خطة استثمارية بقيمة 30 مليار دولار هونغ كونغي سنوياً لمدة 3 سنوات، تركز على تطوير "المتروبوليس الشمالي" وتجديد المساكن القديمة.


ولتعزيز الشفافية، أطلقت الحكومة أدوات رقمية مثل منصة ذكاء اصطناعي لإدارة تكاليف المشاريع ومكتب لتسهيل الموافقات، في خطوة تهدف لتسريع تنفيذ البنية التحتية.

اقتصادياً، واجه قطاع البناء رياحاً معاكسة في 2025 مع تباطؤ النمو إلى 0.7% بفعل ضعف سوق الإسكان والتضخم المرتفع، لكن مشاريع عملاقة مثل "Skytopia" بقيمة 12.8 مليار دولار، والتي تضم مركزاً فنياً ونظام نقل ذاتي القيادة، أظهرت قدرة القطاع على الصمود. وبحلول النصف الثاني من العام، ساهمت استثمارات حكومية في الصحة والتعليم في تعويض تراجع القطاع الخاص، مدعومة بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1% في الربع الأول.


اليابان وكوريا وسنغافورة تدخل السباق

لم يقتصر تأثير الحريق على هونغ كونغ؛ اليابان سارعت لاعتماد أنظمة كشف حرائق مدعومة بالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ضمن خطط المدن الذكية. فيما عززت كوريا الجنوبية معايير الطاقة النظيفة واستثمرت في تقنيات إخماد الحرائق للمباني الشاهقة، فيما يُتوقع أن تسير سنغافورة على النهج ذاته بفضل تركيزها على البنية التحتية الذكية.

هذه التحولات تعيد رسم خريطة الاستثمارات، إذ يُتوقع نمو سوق مواد مقاومة الحرائق عالمياً مع تشديد اللوائح. في اليابان، على سبيل المثال، يُقدّر حجم سوق أنظمة الإطفاء التلقائي بـ 400 مليون دولار في 2024، مع توقعات ببلوغه 700 مليون دولار بحلول 2033.


تكلفة الامتثال وفرص جديدة

تأتي الإصلاحات بتكاليف قصيرة المدى، فقد أصدرت إدارة الإطفاء في هونغ كونغ أكثر من 8,661 إشعار إزالة مخاطر حريق بعد الكارثة، مع تحقيق نسبة امتثال بلغت 90%. ورغم ارتفاع التكاليف على المطورين، تبرز فرص لشركات متخصصة في إعادة التأهيل وتركيب أنظمة إنذار ذكية، مثل مشروع تجريبي لتركيب أجهزة إنذار في 3,600 مبنى قديم.

على المدى الطويل، تتماشى هذه الإصلاحات مع أهداف الاستدامة العالمية. برنامج السندات الخضراء في هونغ كونغ، الذي أصدر سندات بقيمة 120 مليار دولار هونغ كونغي بين 2019 و2023، يعكس توجه الاستثمارات نحو معايير ESG، وهو ما يتكرر في اليابان وكوريا عبر مشاريع الطاقة الهيدروجينية والبنية التحتية النظيفة.

المشهد الاستثماري بعد الحريق يحمل معادلة معقدة: ضغوط على أسعار المناقصات بفعل المنافسة وتكاليف الإدارة، مقابل نمو في مجالات مثل البناء المعياري وإدارة المشاريع بالذكاء الاصطناعي. ويبقى مشروع "المتروبوليس الشمالي" ركيزة للنمو طويل الأجل.

فيما تفرض سياسات جديدة في دول مثل إندونيسيا وماليزيا قيوداً على ملكية الاستثمارات الخارجية، ما يحد من دور هونغ كونغ كوسيط مالي. وفي المقابل، رفعت كوريا الجنوبية معايير السلامة 4 مرات لمشروع استثماري أميركي بقيمة 350 مليار دولار، في إشارة إلى تصاعد أهمية إدارة المخاطر.

أطلقت كارثة هونغ كونغ حقبة جديدة في آسيا، حيث تتحول السلامة من خيار إلى أولوية، مدفوعة بالتكنولوجيا والاستدامة. ورغم التكاليف الفورية، فإن المكاسب طويلة الأجل – من المرونة الاقتصادية إلى جذب الاستثمارات – ترسم ملامح مستقبل أكثر أمناً وذكاءً.

ساعد في النشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

المصدر: منتديات حبة البركة - من قسم: أخبار و إعلانات